صورة الغلاف

لتحميل الكتاب بنسخة PDF
تقديم
يشرف جمعية النبراس الثقافية أن يكون أول إصداراتها الرسمية بعد أكثر من عشرين سنة من العمل الثقافي كتابا حول المفكر والفيلسوف المسلم مالك بن نبي في الذكرى المئوية لميلاده .
ويسعدها كثيرا أن يكون هذا الإنتاج المعرفي من إنجاز أحد أبنائها السابقين وأطرها الباحثين الذين تتلمذوا على موائد فكر مالك بن نبي في رحاب ندوات ومجموعات بحث الجمعية وهو الأخ الكريم و الصحفي النشيط الأستاذ محمد البنعيادي .
إن تجديد الصلة بين مشروع الثقافة البانية لجمعية النبراس والميراث الفكري لمالك بن نبي و مشروعه في نقد مشكلات الحضارة من خلال فعاليات إحياء الذكرى المئوية لهذا المفكر طيلة الموسم الثقافي 2005، والتحضير لعقد ندوة دولية حول الموضوع، هذا التجديد للصلة ينطلق من زمن ميلاد مشروع الثقافة البانية على صفحات الأعداد الأولى من مجلة المشكاة ([1]) من خلال مقالات الدكتور حسن الأمراني الرئيس المؤسس لجمعية النبراس سنة1982 . هذه المقالات التي حملت الكثير من الرؤى الثقافية في مقاربة المشروع المجتمعي على منهج أصالة فكر مالك بن نبي وفعالية منهجه.
هكذا كان أول الفعل، كلمة على صفحات مجلة المشكاة، وكان لابد أن تكون هذه الكلمة فعلا ثقافيا تحرريا مساهمة في مشاريع تجدد ميلاد المجتمع. فكانت مؤسسة النبراس مشروعا ثقافيا بناءا ومشروعا اجتماعيا مسؤولا مشبعا بالمنهج القرآني الرباني والكثير من رؤى و أفكار المدرسة البانية.
لقد كان تعاملنا في بداية مرحلتنا الطلابية مع كتابات مالك بن نبي اكتشافا لموسوعة معرفية متكاملة المنهج و المصطلح والمفاهيم والفكرة. و أذكر مع المؤلف محمد البنعيادي كيف كان اكتشافنا لكتب مالك بن نبي بمثابة اكتشاف لموسوعة فكرية نقدية منهجية متكاملة تخاطب الروح والعقل معا، تستدعي التراث والغرب كليهما، ليس بمنطق المحلي و الوافد بل بمنطق الصالح و الطالح.
لقد كان هذا الاكتشاف بمثابة مراجعة للكتابات الدعوية و الحركية السائدة آنذاك (سعيد حوى، فتحي يكن، محمد قطب، سيد قطب....).
لقد كان الخيار السياسي وراء هذه الكتابات الحركية حاضرا و مهيمنا ، وكانت التجارب الحركية سقف الذين فقدوا القدرة على الرؤية نحو المستقبل و الأفق في زحام الصراع والمحنة، فكان مشروع مالك بن نبي مشروعا فكريا اجتماعيا مستعليا على صخب وصراخ البوليتيك ونظام القابلية للتبعية الذي وضعنا فيه الاحتلال.
لقد كانت كتابات مالك بن نبي -كما يبين الأستاذ البنعيادي من خلال بحثه- تفاعلا مع الواقع وحاجياته وتنظيرا لحركة الإسلام في العالم لا لحركة من الحركات أو اختيار من الاختيارات.
لقد كان فكر مالك بن نبي أكبر دليل على تهافت أصحاب فكرة التأويل الحداثي للإسلام أو ما يدعونه ضرورة الحركة التنويرية للإسلام من وحي الغرب وتجربته، فقد كانت أفكار مالك أفكارا قرآنية أصيلة أعطاها قوة التنظيم والفاعلية و التركيب المنهجي، مما جعله شاهدا حتى على أولئك الذين حنطوا الإسلام في تجارب حركية بوليتكية أو صوفية فقدت ذلك الشعور العظيم بالإسلام كنظرية اجتماعية ،كما اكتشفناه مع كتابات مالك ابن نبي وارتضيناه مشروعا لجمعية النبراس تحت شعار:
" نحو ثقافة بانية ومجتمع مسؤول" .
وأذكر -ونحن نعد الورقة النظرية لهذا الشعار سنة 1993 تحت عنوان ميثاق الثقافية البانية- كيف كان لعالم الأفكار الذي رسمه مالك بن نبي دور مهم في تنظيم حلقات هذه الورقة وسهولة حمل مصطلحاتها للكثير من القضايا التي شكلت مشروع الجمعية ( مصطلحات الأفكار : الموضوعة – المخذولة- الميتة- المطبوعة ...) إن على مستوى ورشات البحث أو نوادي الأطفال و الشباب و المرأة وغيرها من المجالات الاجتماعية ،كما أذكر كيف كان إصرار الأخ البنعيادي على ضرورة الإشارة إلى مرجعية هذه المصطلحات لصاحبها مالك بن نبي رغم أنني كنت آنذاك أحس بـ(ملكيتي) لذلك المعجم و بضرورة فتح الآفاق أمام هذه اللغة القرآنية الاجتماعية الحضارية حية بعيدا حتى عن صاحبها، لأنها قد تشكل لغة عالم الاجتماع الغربي ناهيك عن عالم الاجتماع الاسلامي.
إن مشروع الإصلاح و النهضة الذي ركز عليه الأستاذ البنعيادي في مقاربته لفكر مالك بن نبي ، هو الخطاب الذي تجدد الآن مع الظاهرة الغربية الخطيرة التي خبرها مالك بن نبي و حللها وهي ظاهرة الحضور الاستعماري في عالمنا ومانعرفه الآن بمصطلح الاحتلال، حيث إن المشروع الأمريكي للإصلاح يحضر بقوته العسكرية والإعلامية و المخابراتية ، و لايمكن فهمه و مواجهته إلا بما فصل فيه مالك بن نبي من نفسية المستعمر وحرصه على صناعة فوضى العالم الإسلامي و إرباكه من جهة، واستمرارية قابلية الإنسان المسلم لهذا الوضع وتزكيته أحيانا مع من يتحدثون باسم الإسلام صوفية الزردة )و الذين - حسب مالك بن نبي - لايمكن مواجهتهم إلا بالعلم وعلماء الإسلام لا بالحداثة ودعاة التأويل).
إن هذه النفسية الاستعمارية الاحتلالية هدفها استمرارية الصنم و هيمنة الوثن عوض الفكرة، وغرام بالمستحدثات بعيدا عن كل أفكار أصيلة ومشاريع فعالة ، و بالتالي غياب أي مشروع حقيقي للإصلاح ينطلق من تغيير ما بالذات حتى يتغير ما بالواقع .وأن هذه الممانعة و الاستعلاء لا يمكن أن يحمله إلا إنسان مرابط موحد فهم -كما يقول مالك- أن وظيفة الإصلاح هي ترجمة الوظيفة الاجتماعية للدين على أرض الواقع .
هذه الوظيفة الاجتماعية للإسلام التي نلاحظ بجلاء ضعف استثمارها في الواقع وسط هذا المجتمع المنحل بسبب أوثان السياسة و التفكير الذري (التجزيئي ) كما يقول مالك بن نبي ، الوظيفة الاجتماعية للإسلام هي الوظيفة الأساسية لمشروع الثقافة البانية الذي تروم الجمعية من خلاله خدمة هذا الوطن و تجديد ميلاده عبر عملها الثقافي والاجتماعي والتربوي.
و أذكرأنني فرحت كثيرا عندما تعرفت في بداية قراءاتي لفكر مالك بن نبي على كتابه "الظاهرة القرآنية"، فقد وضعت آنذاك -وأنا شاب في العشرين من العمر يحاول تأسيس وتأصيل منظومته الفكرية - معيارا أساسيا لتحديد أهمية كاتب ما في مجال الفكر الإسلامي، حيث كان المعيار هو إنتاج هذا الكاتب لمؤلف يدون فيه منهج ومنهجية تعامله مع القرآن الكريم . وفعلا وجدت في كتاب الظاهرة القرآنية لمالك هذا الوعي القرآني بروح الدين الإسلامي و تفسيره المجتمعي، الشيء الذي انسحب على مختلف مؤلفات مشروعه. والشيء ذاته أكد اقتناعي بجدية هذا المشروع و أصالة صاحبه ، وهو نفس الإحساس الذي انتابني قبله في تعاملي مع كتابات الشهيد سيد قطب.
فرحم الله شهيدي الفكر الإسلامي و شاهديه النزيهين المخلصين، وأحسب أن استثمار هذا المشروع الباني المهجور وأفكاره المخذولة- إضافة إلى كل فكر أصيل – مدخل مهم من أجل المشروع الحقيقي للإصلاح و النهضة. وهذا ما نتمناه أيضا في فعاليات هذه الذكرى المئوية لميلاد المفكر مالك بن نبي، ومن خلال الندوة الدولية المزمع تنظيمها تحت شعار:
مالك بن نبـي : مفكر شاهد ومشروع متجدد
أيام : 15/14/13نونبر 2005 ومن خلال هذا الإصدار و غيره .
فجزى الله خيرا الأخ الكريم محمد البنعيادي وتقبل منه سعيه هذا في لفت الانتباه إلى هذا المشروع الأصيل وسط زحام الأفكار و النظريات والتجارب غير الواعية، والله من وراء القصد و هو يهدي السبيل.
ذ.مصطفى شعايب
وجدة في 14/07/2005
[1] مجلة ثقافية تعنى بقضايا الفكر ومتخصصة في الأدب الاسلامي، تصدر من وجدة/المغرب، يديرها ويرأس تحريرها د.حسن الأمراني رئيس المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الاسلامي العالمية بالمغرب العربي