بقلم/ مصطفى شعايب
MOUSTAMADANI@YAHOO.FR
خلصت أبحاث المفكر مالك بن نبي إلى أن الثقافة نظرية في السلوك أكثر منها نظرية في المعرفة، فالسلوك هو كل ما يبقى بعدما تذهب المعلومات والأفكار، غير أن عنصر البناء الذي يحضر في بعض التجارب الثقافية ويغيب أو يقل في أخرى ، مرتبط بمدى قدرة هذه الثقافة على تجديد خطابها وتجويد نظريتها المعرفية بما يمكنها من الانتظام والوضوح والتماسك ، واستشراف المستقبل.
فإذا كانت القيم والسلوكات هي خلاصة تجربة كل ثقافة، فإن "عالم الأفكار" هو المنطلق لهذه التجربة والمنهج الناظم لخطابها والضامن لتجديده حسب مرونته وخاصيته التوليدية وقدرته على التجاوز مهما كان بنيان الاحتفاظ والتراكم.
إن اعتبار الثقافة البانية هي ثقافة ربانية محررة ومتحررة ، يجعل التجديد قدرها الحتمي وصيرورتها المستجيبة لروح العصر.
فالربانية هي بحث وشوق نحو المعرفة الأزلية والامتلاء الروحي .والتحرر يجعل إنسان الثقافة البانية إنسانا استشرافيا يؤسس بكل يقين نظريته السلوكية لكنه مجتهد في نظريته المعرفية مجدد لمتغيراتها متدبر في ثوابتها معتبرا سلوكه في التدين أرقى أشكال تحضره. فلا مجال لخطابات موت الإنسان كما لا مجال لخطابات موت الالاه أو التدين. إن المال الروحي للعالم الإسلامي خاصة والعالم عامة في تقدم وعودة مشهود وراشدة.بعيدا عن كل خواء روحي أو فقدان للاتجاه.اذ لم تفلح كل محاولات تجريم الخطاب العربي الإسلامي وتشويهه - مرة بدعوى التقدمية ومرة أخرى بدعوى الحداثة- في حرمان الإنسان من حقوقه في امتداداته الروحية وحقائقه الدينية وتجاربه العلمية وثوابته القدسية.إن كل محاولات نزع المقدس عن الدين وإلصاقه" بمقدسات "الحداثة وأساطيرها.هي عنف مزدوج اتجاه الخطاب العربي الإسلامي واحتمالات التجديد فيه والتجديد به.
إن من عناصر البناء في ثقافتنا ،فتح أفاق التواصل والتعارف و التأثير المتبادل من موقع اللحظة المعرفية لا من باب الاختراق والإجبار والعنف . فكل تفكير في التجديد الثقافي يجب أن ينطلق من الثقافة ذاتها لا من خارجها أو ضدها.
إن من أسس نجاح واستمرارية كل ثقافة بانية هو حرصها على التجديد في خطابها حسب مستجدات المجتمع وأسئلته وروح العصر والانفتاح على مستقبلاته الأخلاقية والروحية قبل المادية والتكنولوجية أو هما معا.
دون الوقوع في فخ الخلط بين العصر من جهة والغرب وتجربته ومستحدثاته من جهة أخرى فالغرب ليس عصرنا بقدر ما هو تجربة ثقافية موازية لنا مهيمنة على التجربة الحضارية المعاصرة بعمرانها وخرابها. ولنافي قيمنا الحضارية الحوارية التواصلية أن لا إكراه في الدين فكيف يكون الإكراه في الثقافة والنمط الثقافي؟ .كما أن مصدرية الدين من عند الله وحده يجعل الدين الخاتم ناسخا لما قبله من الأديان لكن نموذجنا الثقافي الحضاري لا يتخذ منٌ ٌحداثة ٌزمنه الديني- الإسلام- مطية ودافعا لنسخ النموذج الثقافي اليهودي أو المسيحي أو البوذي أو غيرها
وما لم تستطع مشاريع الثقافة البانية تجديد خطابها وتأهيله لمرحلة ما بعد الاستعمار- التي لم نستطع بعد تجريد ملامحها –فإننا لن نستطيع فك ذلك الارتباط والالتباس بين مفهومي :
الغرب والعصر...
التحديث والحداثة ...
الماضي والتراث...
العالمية والعولمة...
التقدم والاغتراب.. .
البناء والهدم...