مصطفى شعايب
moustamadani@yahoo.fr
أظهرت التجربة الحضارية الغربية المعاصرة أن العمران البشري ليس فقط عمرانا ماديا وتقنيا يسخر إمكانيات الطبيعة أو يصارعها فالبشرية مهما تطاولت في البنيان تجد نفسها بشرية معيارية تحتكم إلى القيم وحقوق الإنسان ومفاهيم العدالة والكرامة والمساواة وغيرها.
غير أن الحاجة إلى ثقافة بانية تحقق توازن التركيب الثقافي بين المكون التقني المادي والمكون الأخلاقي القيمي لا يمكنها أن تتجاهل مكونا آخر لا يقل أهمية ولا حساسية وهو التعبير الجمالي بكل أشكاله الفنية والأدبية ; والسلوكية والهندسية فالعمران البشري للكون هو عمران جمالي أيضا يحتاج لرؤية جمالية تستدعي التناسق والانسجام واللغة البيانية التعبيرية في الشكل واللون واللحن والصوت .
لقد خلق الله تعالى الكون جميلا وكل إضافة ثقافية بشرية لهدا الكون يجب أن تكون إضافة جمالية أيضا.
إن الرؤية الجمالية مطلب أساس لكل بناء ثقافي لكنها محكومة بالتحرر من الجماليات المتمردة على القيم والأخلاق والدوق العام وكرامة الإنسان.
إن الحساسية الجمالية تفقد وظيفتها الثقافية إدا هي تحللت من قيم المجتمع والانسجام الواجب بين القيم الجمالية والقيم الأخلاقية.
لقد أسرفت التجربة الثقافية الغريبة في كمالياتها وترفها وجمالياتها حتى أصبحت بلا رؤية ولا جمال.فكل قضايا المرأة والموضا والفنون و السينما و الأدب ونمط الحياة والحرية الفردية والحقوق الشخصية وغيرها هي في حقيقتها قضايا تركيب ثقافي وأكثر منها قضايا أنماط ثقافية أي أن اختلاف التجارب الثقافية البشرية نتاج أولوياتها الثقافية وحساسياتها المرجحة .
فلا تكاد ثقافة تخلو من مكون علمي وعملي وأخلاقي وجمالي لكن تختلف التجارب الثقافية تبعا لتركيب هذه المكونات وقوة حضورها وقانون عـــدم تعارضها.
ففي ثقافة ما عندما يتعارض الجانب العملي- التقني- مع المكون العلمي ينضبط الثاني للأول ويخضع له لأهمية العلم في تلك الثقافة وريادته.كما هو الشأن في صراع وجدلية الأخلاقي والجمالي – رغم عضويتهما الواحدة - فان التجربة الغربية جعلت العلاقة علاقة تعارض وتصادم.
كما في الأدب مثلا , الأمر لايتعلق بأدب إسلامي وأدب اشتراكي وأدب مسيحي وأدب يهودي وأدب صيني وأدب واقعي وأدب رومانسي ... لكن الحقيقة ترتبط بالتركيب الثقافي للمجال الذي ينهل منه الأديب وموقع الحساسية الجمالية والأخلاقية منه. ولهذا فالأدب الإنساني قد يصدر من مجالات ثقافية مختلفة لتماثلها في التركيب الثقافي أو بعضه وهكذا..
كما أن اعتبار التعبير السينمائي تعبيرا جماليا فقط هو اختزال لتمثل المثقف السينمائي لمجاله الثقافي وكذا اختزال لصورة الفلم وحمولته. لان الفلم هو صورة ورؤية وقيم أي موقف جمالي وفكري واخلاقي.
إن وظيفة الثقافة البانية هي تمكين المجال الثقافي من انسجامه وتمكين المجتمع من توازنه وإيقاعه الجماعي السوي والجميل.حتى لايتحول كل مكون إلى عنصر هدم أو نقض للتركيب الثقافي ذاته. وحتى لايتحول – في موضوعنا هذا- الجمال إلى قبح والى إخلال بالحياء العام واستغلال للمرأة واستهلاك مرضي وسينما لاتصل حالا بعد منتصف الليل بدون عائلة وغيره..... وللحديث بقية.
قسم : رؤية جمالية - 22:52 19-1-2014 - المصدر : مصطفى شعايب |