حماد يوجيل
يعتبر هذا العنوان مقابلا للجمالية الهدامة ، فمن المعروف أن في علم الجمال جماليات متعددة ، من حيث النوعية ، ومن حيث الغاية ، فهناك جماليات أخلاقية السينما وجماليات الشعر وجماليات الموسيقى ، كما أ هناك من حيث الغاية ، جماليات الفن للفن ، وجمالية الفن للحياة ، هناك جماليات أخلاقية وأخرى غير أخلاقية ، وقبل كل شيء لابد من الاتفاق على تعريف وجيز للجمال بعد أن اختلف حوله الفلاسفة ولكنهم يجمعون على أنه "ذلك اللباس الحسن الجميل الذي توفر في شروط ضرورية منها: الانسجام بين العناصر ، والبساطة في التركيب ، والتناسب وهو أهمها والتنوع ، والرشاقة وكلما توفرت كل هذه العناصر كان الشيء جميلا، وهذا ما أكده أهم خبير في الجماليات وهو وليام هوجارت الانكليزي(1627_1764) في كتابه "تحليل الجمال" والجمال هو أحد الأقاليم الثلاثة إلى جانب الحق والخير، في مثلث رأسه إلى أعلى هو الحق قال تعالى :" وكلمة الله هي العليا" ومن الفطرة الاجل الذي يعون سيمولوجية الجمالية المكانية يضعون ما هو روحاني في الأعلى، قال يوري كوثمان :" ونجد في مجموعة من الحالات أن "العلم" يوازي الاتساع والانخفاض يوازي "الضيق" وأن العلو يتطابق مع الروحانية أما الانخفاض فيتطابق مع "المادية" ، وهنا لابد أن نذكر أن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يختم به الرسائل إلى الملوك كان يتضمن محمد رسول الله، بلفظ الجلالة في الاعلى.
يشترط في الفن دوما أن يكون بلباس جمالي بقصد التأثير في الشاهد أو المستمع (المتلقي) والإنسان مولع بالجمال ، قال شيللرفي تعريفه للإنسان:" إنه كائن جمالي" والفن كما ذكر أعلاه: إما فن للفن وإما فن للحياة، إما فن "حر" وإما فن ملتزم. والفن الحر هو ذلك الفن الذي لا يراعي _في غالبه_ القيم الأخلاقية، للمجتمع والدين، ولقد شاهدنا في تاريخ الفن نوعا من الأعمال الفنية لا تراعي ما قلناه ، ومن المدارس الفنية التي حطمت هذه القيم تذكرفي الفن التشكيلي لمدرسة الدادية و السوريالية مثلا ، وفي الأدب كانت المدرسة الطبيعية على الخصوص التي كانت تصرح بفصاحة بالمدنس بدعوى العادي أو ما يعود على المجتمع بسلبيات فقد صنعت رواية "الام فيرتر" للكاتب جوته لان نهاية العاشق كانت الانتصار ، وفد اتخدها الشباب الألماني ذريعة لانتصارهم في ذلك الوقت . ومن الفن الذي كان هو تعبدي المقصدي أعمال الفنان "مودلياني." فلوحاته للنساء العاريات في شبقية. فاضحة عدت لدى أصحاب الفن للحياة أعمالا الفن المنحرف، ولقد أثارت ".مبولة." مارسيل دي شامب التي عرضها في نيويورك عام 1912 وهي تنتمي إلى المدرسة .الدادية. أثارت نقاشا حادا بين فناني الفن للفن والفن للحياة.
ومن أعمال المغاربة في مجال الفن الهدام_ في رأي _ ديوان ثقافة المثلث: للشاعر عبد الله زريقة بمشاركة الرسام صلادي الذي اتخذ الصومعة والمقبرة وغيرها موضوعا للسخرية والتهكم ، وبالرجوع إلى العنوان ، لان المثلث، الذي قصد موضوع الجنس لأن المثلث الذي قاعدته في الأعلى وزاويته الحادة في الأسفل إنها شكل ورمز للجنس، ويمكن إدخال رواية الخبز الحافي لمحمد شكري في هذا الباب.
الفن للحياة / الفن للمجتمع: هو اتجاه ثان ، وهو المقصود بالفن الباني، أو الفن الهادف الذي تسعى فيه الجمالية إلى أن تكون في ذات مقصدية نبلة وخيرة ، تبني المجتمع بقيم الحق والخير، وترفع من روحانية المجتمع ، والفنانون في هذه المدرسة كانوا دائما يتشبهون بالأنبياء في دعوتهم بواسطة الجمال فلوحات بروجل الهولاندي على سبيل المثال، كانت دائما تطرح مسألة على الشفقة على الضعفاء والوقوف إلى جانبهم ، وقد كان اتجاه المدرسة النقدية تبني الجمالية الهادفة ، فلوحات "إيليا ريبني" وروايات تولستوي كلها كانت جمالية بانية، وكذلك أعمال طاغور الهندي ، وقد عد نقاد الأدب الإسلامية هذا النوع من الإبداع، إبداعا يقارب الجمالية الإسلامية .في الغاية. و إن كان يختلف معها في الأصول . فلنقرأ ما كتبه تولستوي في كتابه " سعاة الحياة" ترجمة إلى العربية بباوي غالي عام 1924 قال :"إنكم تصفقون استحسانا وتهللون مدحا للحب الجنائي في الروايات التي تمثلونها على مسارحهم و أن الموسيقى عندكم انحطت لدرجة فيها أصبحت وسيلة لشرح صدور من بهم بطنة من الأغنياء بعد أن يكونوا حتى شبعوا من لحوم وشراب ولائمهم الفاخرة ، وأن التصوير في أسمى مجاليه يستخدم في رسم ونقش مناظرة في منازل الفجور لا يراها إنسان الا ويخجل مالم تكن حواسه قد فقدت وظيفتها من بخار الخمرة فيها أو أضعفها فعل الشهوة الحيوانية" (ص68 تولستوي: سعادة الحياة)
وفي كتابة "ما هو الفن" يقول:" لا يتوجب على الناس سوى التخلي عن نظرية الجمال تلك الكاذبة والزاعمة بأن التلذذ هو هدف الحياة حتى يصبح الوعي الديني بصورة طبيعية ، مرشدا الفن زمننا أما في الظاهرة الجمالية الإسلامية، فإنها من مرجعيتها _العقيدة الإسلامية _ تتبنى بناء الإنسان والمجتمع الخير وهو الهدف الأسمى ، فالخير غاية الجمال قال تعالى :" ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم" البقرة 221، كما أن الحق أيضا غايات الجمال، فإذا زين بالجمال كان أحق في تحقيق العدل ، فكما أن الخير إذا زين بالجمال كان أقرب إلى الكمال
أول صور مظاهر الجمالية الإسلامية هو خلق الإنسان هذا الكائن الذي عنده الجمالية مقياسا لجمال الكون كله ، وقبلهم ذكرنا الله سبحانه وتعالى في قوله :" لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " وقوله:"صوركم فأحسن صوركم" وجماله هذا ليس غاية في ذاته - والله أعلم - ولكن من أجل أن يشكر الله على نعمة الجمال التي خلقه الله عليها أولا وبالتالي عبادته.
قسم : رؤية جمالية - 22:46 19-1-2014 - المصدر : حماد يوجيل |