رشيد شريت
cherriet.presse@gmail.com
هي مغامرة تطلقها مجموعة من الفعاليات الثقافية ذات الانتماء الإسلامي، أو الإيديولوجية الإسلامية بالتعبير المذهبي السياسي الحديث. في خطوة تالية لخطوة سابقة؛ ألا و هي النشر الورقي، و قبلها و بعدها أيضا التنشيط الثقافي ضمن إطار ثقافي عتيد هو جمعية النبراس الثقافية، و التي بفعل عوامل التحيين، و توسيع الاشتغال و التطابق مع فقه الواقع المغربي الجمعوي ، أضيف لاسمها الثقافي المصطلح السحري، "التنمية" ! و التي أبانت الأيام الخوالي أن "التنمية" في بلدنا مجرد مصطلح استهلاكي، و نسخة مغربية منقحة لرواية الدكتور حسين مؤنس إدارة عموم الزير، طالما الهدف و المبتغى هو تلميع الواجهة لا الخوض في علاج الداء !
و الحال أن البعض لا يراها مغامرة بقدر ما يراها مقامرة ! و لما لا ترف فكري ! من باب أن البطن إذا امتلأت أمرت الرأس بالغناء، على حد تعبير المثل المغربي الذائع الصيت ! و الواقع أننا لا يمكننا أن نرد على هذه الأحكام و التقديرات و لن نجادلها، لأننا لا نعرف هل هي تقديرات لواقع و ترجمة لثقافة واقع معين، أو هي تقديرات تعكس الشخص المتبني لهذه التقديرات؟ على اعتبار أن كل إناء بما فيه ينضح. صحيح أن الثقافة في مجتمع ما يزال لم يحدد ووجهته، و ما تزال أسئلة الهوية و الأنا الفردية و الجمعية تعاد بين الحين و الآخر، قد تبدو مسألة ترفية كمالية تأثيثية بامتياز، على اعتبار هيمنة المعاشي و السياسي و الاجتماعي اليومي على ما سواه. و هذا صحيح و مقبول إلى حد ما. بيد أن الثقافة ليست ترفا بقدر ما هي حاجة يومية، بل حتى التفكير التسطيحي المعادي للثقافة في حد ذاته تعبير عن ثقافة و عن أيديولوجية ثقافية. يمكن تسميته مجازا بثقافة اللا ثقافة !
إن الأمر الذي يجب استيعابه كأرضية مشتركة إنسانية أولا و أخيرا، هو أن الإنسان كإنسان هو بالإضافة إلى أنه اجتماعي بطبعه؛ فهو ثقافي بفطرته و سلوكه، و الثقافة تولد معه بالفطرة، ثم تتدخل البيئة، كما في الحديث الشريف فأبواه..... صحيح أن أبويه قد تفهم في حيز ضيق على أنه الأب و الأم البيولوجيين، بيد أن الأبوة من ناحية القيمة التربوية و التوجيهية قد تشمل كل المؤسسات المشكلة لوعي الأفراد و الجماعات، بدءا من الروض/المدرسة/ الثانوية/الجامعة وصولا إلى الشارع و الفضاءات العامة سواء المادية منها مثل الشارع /المقهى /النوادي/.....أو الافتراضية الجديدة كالأنترنت/ الشابكة و شبكات التواصل الاجتماعي التي احتلت مكانة متميزة في التأثير على الرأي العام سيما من فئة الشباب و المثقفين.....
ثم ينتقل الإنسان الاجتماعي الثقافي من مستهلك في مرحلة الاستيعاب الأولية إلى منتج ثقافي، سواء منتج من داخل الثقافة المجتمعية نفسها أو من خارجها، في محاولة إما تجديدية أو تمردية كما يحدث في ثقافة الأجيال الصاعدة، أو ما يعبر عنه البعض بصراع الأجيال...و الحال أنه لا يوجد صراع للأجيال بقدر ما هناك صراع، و تنافس بين ثقافة أجيال، الثقافة القديمة: ثقافة الأب و الأم و الجد، ثم الثقافة التالية: ثقافة الابن و الابنة و الحفدة.....
تجاذب ثقافي بامتياز، في فضاءات مشتركة إما واحدة أو متعددة، مثل الفضاءات الافتراضية...فالقضية ليست قضية صراع أشخاص بقدر ما هي صراع أفكار و ثقافة أو ثقافات...حيث يظهر السلف في ثوب المحافظ والكلاسيكي التقليدي الرافض للتغيير و التجديد، بينما تظهر نزوعات التحديث و العصرنة و التمرد على القديم في أفكار و تصرفات الخلف. و الذي يعتبر نفسه سيد الموقف و رجل المرحلة، و الكفيل بمتابعة الركب الحضاري......
و الخلاصة، أننا جميعا على اختلاف مشاربنا و مداركنا و مدارسنا و مشاتلنا، كائنات إنسانية مستهلكة و منتجة للثقافة، و تحديدا لثقافات متعددة، و لن نستثني أحدا من هذه المعادلة المجتمعية و الإنسانية، و حتى الذين يعترضون على الدور و الوظيفة الثقافية و أولوياتها، فهم أنفسهم منتجون و مستهلكون و مرددون لخطاب ثقافة لا تقل حمولة عن حمولة الداعين إلى الأولوية الثقافية و الفكرية في المجتمع، فحتى اللا ثقافة أو الاعتراض على الثقافة أو إقصاؤها هو في حد ذاته تعبير صريح عن ثقافة قائمة بذاتها، يمكن تسميتها باللا ثقافة .....