مصطفى شعايب
moustamodani@yahoo.fr
إذا كانت الثقافة هي أسلوب تفكير الفرد خاصة فهي أساسا نمط عيش الجماعة، إذا لا يمكننا الحديث عن ثقافة فرد بعينه إلا في ارتباطه بالمجتمع أو الجماعة التي ينتمي إليها.
وفي المقابل لا تصبح أفكار وسلوكات الجماعة أو المجتمع ثقافة إلا إذا انتظمت في بنا ء قيمي متماسك ومتوازن يتمكن من خصائص القيم في علم الأخلاق من اقتناع وتمثيل جماعي متكرر ومطرد الوقوع في الزمان والمكان.
فالقيم بما بما هي موقف معرفي وشعوري يتمثل عند الفرد لكنه ينبع من المجموع لهذا فهي مقدمة لسلوك اجتماعي باني يستجيب لانسجام المجتمع وتماسكه. كما يستجيب لارتقائه وحركيته.
إن هذا التجاذب بين ثبات القيم وارتقائها هو الذي يحدد للثقافة دورها في الاستجابة للمجتمع في ثباته وتطوره من خلال فعل ثقافي باني لا يفسح المجال للجمود ولا للتمرد .
بهذه تكون الثقافة البانية نتيجة بناء مفاهيمي يحرص على إنبناء القيم في المجتمع بشكل سوي ومتوازن في مرونة تحفظ للمكون الأخلاقي للثقافة ثباته وتماسكه فلا ثقافة بلا أخلاق ولا مجتمع بلا أخلاق ولا حضارة بلا أخلاق.
فالمكون الأخلاقي ثابت في مختلف التجارب الحضارية مهما قل أكثر، ومهما كانت أولوية ودرجة حضوره في التركيب الثقافي لتلك التجربة .
إن وظيفة الثقافة البانية هي بناء منظومة قيمية تعطى للمجتمع هويته وتماسكه ومرجعيته الأخلاقية والتعاقدية والتشريعية ويخضع لعا الفرد بكل حريته وتحرر كلما أسعفه لذلك حس التجرد والانتماء والمواطنة .هذه المنظومة التي لا تأتي فاعليتها إلا إذا حققت الانسجام والتكامل والتفاعل بين مختلف مكوناتها .فكما نحرص على قيم الجمال والعدل ,علينا أن نقوي,أيضا, حضور قيم الخير والعفة والبيان والجودة.
إن التوجيه الثقافي المستمر للمجتمع يحتاج إلى مواقف شعورية واضحة ومتوازنة ينسجم فيها مختلف مكونات المجتمع/ الفقير والغني ، القوي والضعيف ، المتعلم والأمي، الفقيه والفنان، الحاكم والمحكوم، لأنها القيم المشتركة التي تصنع هوية المجتمع وثقافته وتضبط إيقاعاته. بعيدا عن كل أشكال التمرد التي تأخذ أصباغا
اديولوجية أو حقوقية أو حداثية أو غيرها. إن هذه المنظومة القيمية التي اكتسبت معياريتها و جاذبيتها من خلال مصادرها الربانية من جهة ومن خلال فاعليتها الاجتماعية من جهة أخرى لا يمكن أن تسقط أو تعوض أو تجرم من خلال مجرد رأي أو رأي مجرد , يدعي الكونية في عالم تشتته الأقطاب والتجارب والاستثناءات و الخصوصيات المفرطة أو بدعوى التجديد والتحديث , بعيدا عن أدوات وشروط التجديد و مقاصده التي تأبى الإجهاز على البنيان وطمسه ومحو هويته.
الثقافة بناء مفاهيمي يحرص على انبناء القيم في المجتمع بشكل سوي ومتوازن في مرونة تحفظ لمكونات الفعل الثقافي حضوره وفعله وتثاقفه مع القيم الجزئية الوافدة أو الكلية المتجددة . سواء تعلق الأمر بقيم علمية – عملية- أخلاقية- -جمالية...حسب التركيب الحضاري للتجربة الثقافية.
إن وظيفة الثقافة البانية تجديد بناء المنظومة القيمية الأصيلة متكاملة متوازنة بين قيمها الثابتة والمتجددة , حتى تعيد تشكيل العقل كما تعيد صياغة الوجدان كلما ترهل المجتمع ووهن وتاهت النفوس وشردت, من اجل فاعلية أكثر وعمران أحسن في مشروع الاستخلاف البشري والتجربة الحضارية الإنسانية المشتركة.